تحقيقات

المخدرات تفتك بالشباب من الجنسين

حسام جعفر الغزي

المخدرات تبتلع المئات من ذي قار ،  والمروجون فتيات وشباب  قصص يرويها أصحابها .. ودعوات لحلول ومعالجة الأمر

كشف تحقيق صحافي لمجلة أور الثقافية عن قصص وروايات أدلى بها أصحابها من متعاطون وتجار ومروجين لمادة الكريستال ميث ومدى تأثيرها وتناولها في حقائق هي الأولى من نوعها إعلاميًا في ذي قار والتي تقدر أعداد متعاطيها بالمئات تستهدف فئة الشباب المراهقة بنسبة كبيرة .

وتلعب المؤثرات العقلية ( المخدرات ) الدور الكبير في التأثير على البنية المجتمعية من انتشار للجريمة والسرقة والتفكك الأسري لما لها ايضأ من أثار سلبية وصحية على المتعاطي

وبالرغم من تركيز الجهد ألاستخباراتي والأمني في تفكيك العديد من شبكات وعصابات بيع وترويج الممنوعات إلا أنها طورت أساليب عملها بأشكال احتيالية تستطيع من خلالها تأمين نفسها في دخول المادة المخدرة إلى المحافظة ليصل الامر عن طريق نساء احيانًا بسبب عدم تعرضهن للتفتيش او الشاحنات الكبيرة لنقل المواد المتنوعة والبضائع الى المحافظة او بعض عناصر الأمن الغير منضبطين ويتعاطون هذه المادة وتتعدد أساليب دخولها كلما طورت الأجهزة الأمنية من إمكانيات القبض عليها .

وتعتبر مادة الكريستال ميث هي الأشهر تداول نظرًا بين روادها لكثرة غزوها إلى البلاد وسهولة التعامل معها ولما لها من تأثير في الحالة النفسية للمتعاطي من شعور البهجة والنشوة المؤقتة والذي يجهل عواقبها الصحية والاجتماعية .

وأعلنت مصادر أمنية في ذي قار عن إلقاء القبض أكثر من 65 شخص بين متعاطي ومروج بالإضافة إلى 18 كيلو كحصيلة تقريبة من مادة الكريستال والحبوب المخدرة خلال النصف الأول من السنة الجارية 2022 .

وفي هذا التحقيق حصلت مجلة أور الثقافية على تفاصيل حصرية يرويها أصحابها ”

حيث يقول المروّج لمادة الكريستال ، الذي طلب عدم ذكر اسمه انه يحصل عليها من محافظتي البصرة وميسان من خلال تجار يتم الاتفاق والتواصل معهم مسبقًا بدقة وحذر وتباع لهم من خلال لقاءات بعيدة عن سكنهم الأصلي تحسبًا لأي كمين أمني وبمراحل عدة في التنقلات مشيراً انه غالباً يواجه صعوبات بعد ورود معلومات من التجار عن خطر المراقبة او تحسبهم لكمين امني . .

ويواصل حديثه عن أن تكلفة سعر شراء الغرام الواحد يصل غالبًا إلى سبعة ألاف دينار نظرًا لتواجده بكميات كبيرة في المحافظتين أعلاه مبينًا الأسعار تختلف بين فتراتها إلا ان سعر الغرام الواحد يباع في محافظة ذي قار بسعر يصل 30 الى 35 الف وهو مايكفي المتعاطي جرعتين او ثلاث . .

فيما أكد عن بعض طرق ترغيب الشباب للبدء في التعاطي عن طريق أصدقاءه أو تقديمها له بأسعار زهيدة وأحيانا مجانًا لغرض التجربة والذي يضمن  فيها التاجر والمروج بدايته في التعاطي من ثم تتغير الاسعار عليه تدريجياً ليصل الى سعره التقريبي المتداول 35 الف دينار .

 

 

رحلة الشراء من التاجر الرئيسي  

يروي احد التجار مشاهد رحلته الى مدينة ميسان ( العمارة ) لشراء الكريستال قائلاً

” وصلنا بسيارتنا السادسة صباحًا إلى مدينة العمارة  لغرض اللقاء بأحد الموردين لهذه المادة والذي ولّدت بيننا ثقة التعامل مسبقًا ذاهبين باتجاه منزله الذي يقطن في احد البساتين ذو منزل فخم جدا مؤمن ومزود بكاميرات ورجال أمنيين خاصين بحجة حماية أرضه الزراعية , مقدمًا لنا الكريستال حسب الاتفاق المسبق للطلب وهي واحد كيلو بالإضافة إلى شراء الحبوب المخدر الكبتاجون والذي يطلق عليه محلياً بين متناوليه ( الكبتي ) حيث بلغت قيمة الشراء إلى 16 مليون دينار عراقي من ثم اتجهنا إلى مدينة الناصرية حاملين المادة المخدرة وعبور السيطرات بشكل أمن بعد تخبئتها بشكل يلائم عدم العثور عليها في نقاط التفتيش العسكرية والسيطرات المركزية للمحافظة موضحاً تكرار العملية في الشهر مرة واحيانًا مرتين .

( نشير في ذلك ان المتحدث حصل على العلاج الكامل بعد تركه للتعاطي والتوقف عن بيع المادة السامة ” الكريستال ” )

 

التسميات والأنواع ( الأصفهاني )

أما التسميات هي الكلمات المتداولة بين المتعاطين والمروجين الذين أدلوا بالكثير من المعلومات عن فترة تعاطيهم حيث تختلف تسميات المادة المخدرة حسب نوعه منه يطلق عليه ( الأصفهاني ) وهو أعلى قيمة سوقية بسبب مدى فاعليته وقوته التي تجعل المتعاطي يشعر بالنشوة والقوة لمدة تصل يومان أو ثلاث والهلوسة السمعية والبصرية وفقدان الرغبة في النوم لأيام عدة مع الذكر هنالك تفاوت بين المتعاطين في تأثيره النسبي عليه من حيث أعراض الشعور ويتميز لونه بالأزرق الشفاف أشبه بمادة زجاجية خفيفة وغالبًا ما ترتفع أسعاره الـ 45 الف دينارعراقي  للغرام الواحد والذي يكون مصدره باكستان وإيران وفي الأغلب أسعاره مستقرة ب35 الف دينار ، بينما هنالك أنواع أخرى يطلق عليها محليًا بين متداولين ( الرطب ) بمعنى تكون مادته أكثر رطوبة وضعف تماسكه من غيره وهو من النوع الأقل تأثير وغالباً مايكون محلي الصنع في بعض المحافظات العراقية وأسعاره للغرام الواحد بين 10 و 15 ألف دينار عراقي يباع على المتعاطين بينما يحصل عليه بقيمة 3 ألاف دينار .

إلى ذلك لم تنهي التسميات الشائعة فالمروج ايضأ له حصة في ذلك حيث تُطلق عليهم التسمية المحلية باللغة العامية ( زنابير ) والذي تكون مهمتهم بيع وتوزيع المادة المخدرة حسب المناطق المحددة لهم مع حصوله على 10 غرامات من كل 100 غرام كهدية ليتعاطها إضافة إلى الإرباح في البيع والعديد من التسميات تختلف من محافظة الى اخرى .

 

 

طرق الاحتيال الأخرى لدخول المخدرات

يروي احد المتعاطين لمجلة أور الثقافية ، يسكن أحد أقضية ذي قار قصته مع التعاطي قائلاً ” بدأت في التعاطي منذ ثلاثة أعوام  واحصل عليها من خلال دخولها إلى المحافظة في بعض شاحنات نقل المواد إلى المحافظة من الجهة الشمالية للمحافظة لسهولة تخبئتها في الشاحنات الكبيرة وغالبًا يصله نصف كيلو يتم تصريفه في القضاء المعني مؤكدا على حد قوله ان أمر مادة المخدر أصبحت مخيفة جدا بسبب تحولها إلى آفة خطرة بعدما وصلت بمتناول الكثير من الشباب وبسهولة كبيرة وانتشارها في المقاهي وخصوصًا الشعبية في الاحياء السكنية .

وبذلك كشف لنا عن أفعاله بسرقة أموال من منزل عائلته وأحيانا حاجيات منزلية مهمة باهظة الثمن دون علم عائلته لغرض توفير المال من اجل التعاطي قبل أن يكون هو الأخر تاجر صغير ليكشف لنا الوجه الاخر لحقيقة دخولها وطرق احتيالها ليصل الأمر انه تعاون مع عنصر أمني ( عسكري ) في جلب وادخال مادة الكريستال لكونه هو الاخر متعاطي لها  مشيرًا ان التسهيلات الأمنية لدخول العنصر الأمني وعدم تفتيشه بعد تقديم ( الهوية التعريفية العسكرية ) ساعدت في تسهيل الأمر بعبور السيطرات المركزية دون تفتيش .

 

ونبقى مع قصص المتعاطون والتجار .

يذكر ( كـ ) عن قصة بدايته في سرقة مبلغ مليون دينار من احد المنازل لغرض تطوير نفسه في العمل وكسب احترام الآخرين في نفس مجال عمل المخدرات ورغبته ان يكون تاجرًا لتحقيق الثراء السريع حيث بدأ بـ 250 غرام بالمصطلح المحلي ( ربع كيلو )  ووضع معه عاملين بصفة مروجين يقومون بالعمل يوميًا وغالبًا مايحصل على المادة المخدرة بأسعار زهيدة لغرض ( إطماعي ) بطلب المزيد من التجارعلى حد قوله  لكونه مبتدأ بعدما كان موزع على المتعاطين . مشيراً أن أخر مااشتراه كلفه 700.000 سبعمائة الف دينار وجنى ارباح منها تقدر بـ 2 مليون مليون دينار عراقي . وهو واحد من عشرات التجار المروجين الذي يتعاملون كمبتدئين مع موردين تصلهم المادة المخدرة احيانًا من محافظات الوسط والجنوب حسب النوعية المطلوبة والمتوفرة بسهولة في الدخول والأكثر امنًا عليهم .

وفي تحقيقنا لم يقتصر الامر على الشباب المراهقة بل كشف احد الأساتذة الجامعيين انه مدمن مخدرات قائلاً ” ان اسمي ومكانتي الاجتماعية بالاضافة الى محيط عائلتي هو مامنعني ان اتناول الكحول واتجه الى المخدرات بسبب سهولة التعامل معها والشعور الذي احققه فيها من شعور السعادة والبهجة وكأني في عالم ثاني بسبب فراغي اليومي الكبير هو ماجلعني بهذه الصورة وكلما احاول الاقلاع عن هذه المادة ارى نفسي غير جدير بذلك الا انني في نهاية المطاف استطعت ان اقلع بشكل نهائي واود اشير بكلامي ان الادمان من الممكن معالجته اذا كان هنالك إصرار حقيقي للإقلاع عنه  بدل التعذيب النفسي والصحي الذي نتعرض له من السعادة الوهمية بسبب هذه المادة والتي كلفته اكثر من خمسة مليون دينار كمتعاطي .

 

الفتيات في الضياع الصامت

وفي استمرار تحقيقنا استطعنا التوصل إلى فتاة ذات العشرون عام والتي كشفت بسرية تامة أنها تتعاطى المخدرات منذ عام وتمر بأزمة نفسية بسبب ضيق الوضع المادي لها الذي يمنعها من شراء المادة مما يؤثر عليها ويثير التوتر والقلق النفسي لكون العقل و الجسم تعود على هذه المادة حسب قولها ويبدأ مما جعلها هي الاخرى تراودها افكار سرقة الاموال من عائلتها بأي طريقة او البحث عن بدائل اخرى لتوفير السيولة المالية وأدلت في قصتها ان دخولها الى عالم التعاطي بدأ من خلال أحدى زميلاتها في الدراسة ومن ثم تطور الامر الى طلب المادة وشرائها من المروجين حيث كانت المفاجئة لنا ان المادة لا تقتصر على الترويج من خلال الشباب بل من خلال فتيات ايضًا يعملن مع تجار محليين بسبب سهولة نقله وعدم تعرضهن للتفتيش او الشكوك الأمنية ، إلا أنها أشارت أن مادة المخدر أصبحت ايضًا في متناول العديد من الفتيات تربطها فيهن معرفة شخصية على مواقع التواصل الاجتماعي . .

 

وتحلم الفتاة العشرينية بالعلاج والخلاص من المخدرات التي كادت تنهي حياتها ذات مرة بسببه ، إلا ان علاج المتعاطي سيسبب شكوك لعائلتها بسبب عدم قدرتها زيارة مركز متخصص ، بالرغم انها حصلت على استشارات من اطباء متخصصون عن فترات وطرق العلاج منزليًا وبالرغم من ذلك فشلت لكونها ستمر بمراحل من الممكن تثيرالريبة والشك لعائلتها لكون المتعاطي خلال فترة تعاطيه غالباً  ماينام لفترات طويلة تصل يومين دون شعور بما حوله وتتراوح مدة علاجه غالبًا من 10 الى  30 يوم مثل مادة الكريستال والكبتاجون وحسب مدة المتعاطي التي قضاها في فترة التعاطي فالبعض منهم يصل الى عدة سنوات ويتعاطى بشكل يومي يتعدى كمية الثلاث غرامات .

 

مركز الحياة للتعافي

 

بعد انتشار المخدرات عادة الامل من جديد في احياء الحياة تحت شعار ( حملة حياة بلا مخدرات ) أطلقها شباب بمبادرة تطوعية ساعدت المئات  ممن وجدوا ضالتهم الأخيرة في انقاذ نفسهم من الضياع والدمار الصحي او ينتهي الامر بهم بالسجن .

وانطلق الشباب التطوعي نحو تحقيق الهدف في تحقيق أمنيات الآخرين في خلاصهم ليفتتح مركز الحياة للتعافي أبوابه أمامهم سعيًا لعلاجهم وتأهيلهم للاختلاط مع الناس بحياة جديدة ونقية بعيدة كل البعد عن المؤثرات العقلية والسموم التي تناولوها خلال فترات التعاطي التي كلفتهم الكثير من الأموال وبعضهم تعدى على ملكية الاخرين مجبرًا على تنفيذ جريمة السرقة من اجل الحصول على أموال لشراء المخدر .

 

 

ويقول المتطوع في حملة حياة بلا مخدرات ( عامر فاران )

انطلقنا في #حملة_حياة_بلا_مخدرات قبل ثمان أشهرمن السنة الجارية 2022 ، في مدينة الناصرية، هدفنا كان معالجة المدمنين بالتنسيق مع الأطباء .

في البدء لم يكن هنالك مركز مخصص لهم ، بل كانت هناك ثلاث أسرة فقط في مستشفى الحسين التعليمي ضمن ردهة الحالات النفسية، اضطررنا إلى أخذهم للعيادات وروجنا لحملتنا عبر مواقع التواصل ونشر ارقام هواتف الشباب المتطوعون ” لغرض التواصل مع المتعاطين وإرشادهم بأن لا عواقب قانونية لمن أراد العلاج  وبأن علاجهم سيكون بشكل يحفظ خصوصيتهم .

بجانب ذلك استطاعوا تخصيص مركز بسعة ٣٠ سرير وهو الذي يتواجد فيه المدنين حاليا في مستشفى الحسين التعليمي مشيرًا الى تقديمه طلب رسمي لانشاء مركز خاص دائم بسعة 100 سرير موضحاُ حصول الموافقة على تخصيص ارض له .

 

اما في حديث اخر ذكر الشاب المتطوع ( امجد حسين ) في مركز الحياة للتعافي ”  منذ انطلاقنا بدأنا بتحمل الامر على الجهود الشخصية والذاتية وتحمل الكثير من الصعاب والعقبات من اجل افتتاحه حيث حققنا معالجة ما يقارب (٥٠٠) متعاطي ومدمن ، أغلبهم اكتسب الشفاء التام، وبعضهم لا زال في مرحلة الشفاء مشيرأ غالبيتهم من الشباب الصغار لاتتعدى اعمارهم ال 25 عام  .

وذكر ” تردنا الكثير من الاتصالات بطلب المساعدة منهم من فضل البقاء في منزله للعلاج بعد تناوب زيارته ومتابعة الفريق التطوعي له واخرون يشعرون بتخوف من فكرة القبض عليهم .

ويقول ” امجد ” اسسنا هذا المركز بعدما كان نشاط تطوعي وتوعوي  كحل أساسي لمكافحة آفة المخدرات ومعالجة المخدرات ولاقى المركز رواج كبير ليكون المحطة لنهاية مظلمة وبداية لحياة جديدة بعدما اثر فيهم صديق السوء او ترغيبهم او من بحث عن اكمال نفسه وزرع ثقته النفس عن طريق هذه المادة المخدرة او من وضع لها اسباب غير طبيعية .

مشيرًا الى ان مركز الحياة يفتقد الى الدعم الكامل وخصوصأ الطعام والماكولات التي يحتاجوها كثيرا بسبب فقدانهم الى الاكل خلال فترات تعاطيهم حيث يضطر المرافق مع المريض ان يتحمل كافة امور التغذية بسبب عدم توفير تخصيص مالي لهم داعيًا الحكومة المركزية والمحلية الى الجدية في الالتفات الى اهمية المركز وانقاذ المئات من الشباب ممن يتعاطون المخدرات .

 

فيما رحبت الأجهزة الأمنية فكرة الفريق التطوعي وأعلنت عن دعمها وعدم توجيه أي تهم للمتعاطين الراغبين بالعلاج بشكل نهائي لكونهم ضحية للتعاطي مغرر بهم ” وتنص المادة (40) من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017، على ان (لا تقام الدعوى الجزائية كل من يتقدم من تلقاء نفسه للعلاج في المستشفى المختص بعلاج المدمنين من متعاطي المواد المخدرة او المؤثرات العقلية .

إلى ذلك كانت للمتعاطين في مركز الحياة للتعافي الكثير من القصص والروايات عاشوها بمرارة كبيرة خلال فترة إدمانهم وتعاملهم مع هذه المادة والتي كلفتهم مالا يتحملوه بأعمارهم الصغيرة لكن قرارتهم الشجاعة وأرادتهم اقوى من تجار الإدمان وعصابات المواد المخدرة .

وبالختام تستمر مبادرات ( حياة بلا مخدرات ) في دورها الكبير لتطوير وتوسيع عملها في مكافحة المخدرات ومعالجة ضحايا الإدمان وتنسيق العمل مع بقية المحافظات بهدف توسعة فتح المراكز بعموم العراق للقضاء على آفة المخدرات  .

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى