Uncategorizedتحقيقات

خسائر اقتصادية وهجرة جماعية.. كيف يواجه العراق أزمة الجفاف المرتقبة؟

طه العاني

 

طه العاني

8/10/2022

يعاني العراق من أزمة مياه حادة بلغت مستويات قياسية خلال الأسابيع الأخيرة، وسط توقعات بموسم جفاف رابع يضرب البلاد. في حين حذر مستشار وزارة الموارد المائية العراقية عون ذياب، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، من أن السنة الحالية من أقسى سنوات الجفاف التي مرت على العراق منذ عام 1930، مع تجاوز نسبة انخفاض الخزين المائي 60% عن الأعوام السابقة.

 

صعوبة الموقف

ويرى كبير خبراء الإستراتيجيات والسياسات المائية في العراق، رمضان حمزة، أن موجة الجفاف في العراق تفاقمت لظروف البلاد الحالية المتمثلة في زيادة الكثافة السكانية، وتحكم تركيا وإيران في مصادر مياه أنهار العراق والتحكم بها، وسوء الإدارة بعد عام 2003، ليتحول العراق من بلد “الفائض المائي” إلى بلد “العوز والفقر المائي”.

حمزة

وبيّن حمزة -في حديثه للجزيرة نت- أن مناطق جنوب العراق هي الأكثر تضررا، وأن هناك أضرارا متفاوتة في مناطق أخرى، حيث اضطر كثير من السكان لهجر مناطقهم، كما أدى انقطاع الروافد القادمة من إيران وانخفاض مناسيب دجلة والفرات إلى جفاف الأهوار ونفوق المواشي والأسماك التي تعد مصدر المعيشة الأساسي لسكان تلك المناطق.

 ويقدّر حمزة كمية خزين المياه في العراق بأقل من 5 مليارات متر مكعب، منها 3 مليارات هي خزين ميت لا يستفاد منه، والخزن الحي المستخدم هو 2 مليار فقط، لكن العراق لجأ إلى استخدام الخزين الميت من بحيرة الثرثار، باستخدام مضخات عائمة تضخ هذه المياه وهي مياه مالحة وملوثة لا تصلح للزراعة.

 ويشدد الخبير الإستراتيجي على خطورة الوضع المائي الكارثي في العراق، داعيا إلى وضع البلاد على أجندة العطش والمطالبة باستحقاقاتها المائية من تركيا وإيران، والبدء الفوري بتأهيل البنى التحتية والتحول إلى الزراعة الحديثة ومنع التجاوزات.

 ويحذّر حمزة من أن العراق، في حال استمرار الأزمة، سيصبح حاله حال أي دولة أفريقية تعاني الجوع والفقر، بالإضافة إلى مستويات عالية من البطالة.

  أسباب الجفاف

من جانبه، يعزو الناشط البيئي أحمد شاكر حنون تفاقم أزمة نقص المياه إلى عجز وزارة الموارد المائية عن تقديم الحلول، وغياب الخطط للحيلولة دون استمرار الكارثة.

الناشط البيئي احمد حنون

ويؤكد للجزيرة نت عدم وجود مساع حقيقية وخطة مدروسة من شأنها أن تنقذ ما تبقى من الأهوار جنوبي البلاد وغيرها من مناطق العراق المتضررة.

 ويشير الناشط البيئي إلى أن قلة الأمطار هي سبب رئيس آخر من أسباب الجفاف الحالي، وعدم الاستفادة من مياه الأمطار أو خزنها لمثل حالات كهذه بسبب قلة السدود.

ويلفت حنون إلى أن “الإدارات المتعاقبة لم تضع خطة خمسية أو عشرية لتجاوز الأزمة؛ لأنها تأتي للمنصب من أجل مغانم مادية فقط، ولا تعير أهمية حقيقية للشعب والوطن، لذلك تكون إدارة فاشلة بامتياز همها المحاصصة”.

 ويبيّن أن قلة الإطلاقات المائية من تركيا وإيران من الأسباب الرئيسة، ولها تأثير مباشر على الجفاف وخاصة في محافظات جنوب العراق، التي بدأ سكانها بالنزوح إلى المناطق الأقرب لمصب الرافدين.

 ويعتقد حنون أن البلاد مقبلة على كارثة بيئية وجفاف حقيقي يتطلب التحرك العاجل لإنقاذ المناطق المتضررة من الجفاف.

 

تداعيات خطيرة

بدوره، يرى أستاذ الجغرافيا البروفيسور الدكتور عبد الزهرة الجنابي أن مشكلة الجفاف في العراق تتمثل في تراجع إيرادات المياه في نهري دجلة والفرات وروافدهما، لكثرة السدود المقامة على منابعهما في تركيا وإيران، وقلة الأمطار الساقطة على منابعهما، وتحويل إيران مجاري 23 نهرا صغيرا، فضلا عن تراجع حاد في الأمطار الساقطة على عموم العراق إلى أدنى مستوياتها خلال 100 عام.

استاذ الجغرافيا عبد الزهرة الجنابي

وحول تداعيات أزمة نقص المياه التي تضرب العراق، يقول الجنابي -مؤلف كتاب “جغرافية العراق الإقليمية”- إن لها انعكاسات خطيرة على الزراعة والأنشطة الاقتصادية والاستيطان والأحوال الاجتماعية والبيئة وغيرها.

 

ففي الجانب الزراعي، تراجعت المساحات المزروعة من 33 مليون دونم إلى أقل من 10 ملايين دونم حاليا، وفي خطة هذا العام للموسم الشتوي ستخفض بنسبة 30- 40%، حسب الجنابي.

 ويتابع أن المساحات المزروعة بالقمح تراجعت من 10 ملايين دونم إلى 4 ملايين دونم، والمزروعة بالأرز من نصف مليون دونم إلى ربع مليون وخفضت هذا العام إلى أقل من الثلث، أي لا تزيد على 100 ألف، ومثل هذا الانخفاض حصل في الذرة الصفراء والخضروات.

  وينبه أستاذ الجغرافيا إلى أن ذلك أدى إلى تراجع حاد في الاكتفاء الذاتي وقلة الإنتاجية وازدياد نسبة الفقر بين سكان المناطق الريفية.

 ويلفت إلى انعكاسات أزمة الجفاف على الصناعات التي تحتاج كميات كبيرة من المياه، وتراجع السياحة الداخلية المرتبطة بالمجاري المائية وتدهور الطاقة الكهربائية، وموجات النزوح والمشاكل الاجتماعية التي تحصل بين المزارعين والصيادين بسبب نقص المياه.

 ويضيف الجنابي أن هناك تداعيات بيئية لتراجع مناسيب المياه، من خلال ازدياد التصحر وتراجع المساحات الخضراء وتزايد العواصف الترابية، وتدهور حالة النبات الطبيعي وغياب الطيور المهاجرة وتردي حالة المناخ وغير ذلك.

 حلول طارئة

ويقول عضو لجنة الأمر الديواني الخاصة بمعالجة ملوحة الفرات في ذي قار، نجم عبد طارش الغزي، إن مشكلة المياه في العراق لها شقان، شق داخلي يتعلق بإدارة الموارد المائية، وآخر خارجي يتمثل في السدود المقامة في كل من تركيا وإيران وسوريا.

د نجم عبد طارش

ويضيف للجزيرة نت أن مشكلة العراق في السابق كانت الفيضانات، لذلك أنشئت أنظمة الري وأقيمَ كثير من السدود بمسطحات مائية واسعة كالثرثار والرزازة والحبانية والأهوار وغيرها حتى تتبخر المياه الفائضة، ويتخلص منها.

ويبيّن أن هذه السياسة كانت في حقبة الأربعينيات والخمسينيات عندما كانت السدود قليلة في سوريا وتركيا وإيران، لكن عدم الاستقرار السياسي -خاصة بعد العهد الملكي- أدى إلى إهمال مشاريع الري، إضافة إلى الاعتماد على النفط والدخول في حروب عديدة.

 

 

ودعا الغزي إلى ضرورة متابعة بحيرات الأسماك والتجاوزات التي تحصل فيها، والتخلي عن زراعة الأرز في المرحلة الحالية كونه يستهلك كميات كبيرة من المياه ولا يسد سوى 2% من احتياجات البلد من الأرز.

وشدد الخبير المائي على أهمية إعادة النظر في فلسفة إدارة الموارد المائية بالعراق من إدارة الفيضانات إلى إدارة شحة وإعادة تقييم نوعية السدود العراقية، حيث يعاني سد الموصل من مشاكل في أساساته ولا يمكن امتلاؤه، كما يعاني سد حديثة وبحيرة الثرثار من مشكلة التبخر التي يفقد العراق 10 مليار متر مكعب من المياه بسببها سنويا، وهو ما يعادل ثلث الموارد المائية البالغة نحو 34 مليار متر مكعب.

 

ويؤكد الغزي ضرورة تكليف إدارة كفؤة تتمتع بنوع من الاستقلالية لإدارة الموارد المائية، واعتماد سياسة خارجية قوية للدفاع عن حقوق العراق من المياه، وتشكيل مجلس أعلى للمياه لاتخاذ القرارات المناسبة.

 

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى