الاخبار العامة

صفقة انتخاب رشيد رئيساً للعراق تزعزع البيت الكردي… ولا تسقطه

رستم محمود

أنجز البرلمان العراقي واحدة من مهامه الأساسية التي تعطلت لنحو عام، وانتخب القيادي السابق في “الاتحاد الوطني الكردستاني” عبد اللطيف رشيد رئيساً للعراق. لكنّ اعتقاداً واسعاً يسود في الأوساط السياسية الكردية بأن مجريات الانتخاب ومخرجاتها والنتيجة النهائية التي استقر عليها، سيكون لها تأثير سياسي مستقبلي واسع في إقليم كردستان العراق، لجهة زيادة الاستقطاب بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم، “الاتحاد” و”الديموقراطي الكردستاني”.
الرئيس العراقي المنتهية ولايته برهم صالح كان المرشح الرسمي لـ”الاتحاد الوطني”، فيما كان كل من وزير الخارجية الأسبق هوشيار زيباري ثم وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد مرشحَي “الديموقراطي” على التوالي.
استمرت المفاوضات بين الحزبين شهوراً عدة، من دون أن يتمكنا من التوصل إلى اتفاق مرشح مشترك بينهما. فـ”الديموقراطي” كان يرى إنه الحزب الأكثر تمثيلاً، لحصوله على نصف المقاعد الكردية ضمن البرلمان الاتحادي (31 مقعداً من 63 مقعداً كردياً)، فيما كان “الاتحاد” يعتبر منصب رئاسة الجمهورية من “حصته”، لكونه المنصب الذي يخلق توازناً سياسياً كردياً، باعتبار أن رئاسة الإقليم منوطة بغريمه.
الصفقة
في المحصلة، تبيّن أن “الديموقراطي” قد حقق قبيل جلسة الانتخاب توافقاً غير معلنٍ مع قوى “الإطار التنسيقي”، وخصوصاً مع كتلة “دولة القانون” التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بحيث يسحب الحزب مرشحه من السباق الانتخابي، ويصوت أعضاء كتلته البرلمانية لصالح المرشح عبد اللطيف رشيد، الذي وإن كان قيادياً سابقاً في “الاتحاد الوطني”، إلا أنه لم يكن المرشح الرسمي للحزب، الأمر الذي عدّه “الاتحاد” تجاوزاً لحقوقه من غريمه الكردي وقوى شيعية.
مصدر سياسي كردي رفيع شرح في حديث لـ”النهار العربي” التأثيرات المستقبلية المتوقعة لهذا التموضع بين القوى الكردية العراقية، وقال: “إن العلاقة بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم ستدخل مرحلة طويلة من عدم الثقة المتبادلة، سواء في ما يخص العملية السياسية العراقية في بغداد، حيث للأكراد شبكة واسعة من المطالب وآليات العمل والمهام التي تتطلب توافقاً بين الحزبين الرئيسيين. وكذلك داخل إقليم كردستان، فقضايا مثل إجراء الانتخابات البرلمانية والملف الاقتصادي وعملية ترشيد وتطوير عمل الوزارات الحكومية وتوحيد بنى المؤسسات العسكرية والأمنية، لا يمكن توقع حدوثها بسلاسة من دون التعاون والثقة المتبادلة بين الحزبين”.
وكان لافتاً إصرار “الاتحاد” على الاحتفاظ بمرشحه الرسمي برهم صالح، بالرغم من معرفته بطبيعة “التوافق” الذي ظهر بين “الديموقراطي الكردستاني” وباقي قوى “الإطار التنسيقي”. لكن المعلومات التي حصل عليها “النهار العربي” كشفت بأن الاتحاد كان يسعى من وراء ذلك لامتحان القوى الشيعية ومدى التزامها بتعهداتها التي قطعتها سابقاً، كذلك لعدم الإيحاء بأن “الاتحاد الوطني” جزء من ذلك التوافق الذي مرّر الانتخاب.
تهانئ ومناكفات
رسمياً، هنّأت قيادتا الحزبين، الرئيس المنتخب. فزعيم “الديموقراطي الكردستاني” مسعود بارزاني وجه رسالة إلى الرأي العام، اعتبر فيها أن ما حدث بمثابة تحقيق لـ”إرادة وحقوق الشعب الكردستاني”، مضيفاً أن الأحداث أثبتت عدم قدرة أي طرف على “فرض شخص من خارج إجماع الكردستانيين وإرادتهم، وكل المساعي في ذلك الاتجاه باءت بالفشل، ولم يُسمح بتجاهل تلك الإرادة الصلبة، لأن الأهم بالنسبة إلينا هو المبدأ، فالمبدأ أهم من المناصب والمراتب”.
رئيس “الاتحاد الوطني الكردستاني” بافل طالباني، أكد في بيان رسمي أن الرئيس المنتخب هو جزء من الحزب، وقال: “أخيراً فاز حزبكم الاتحاد الوطني الكردستاني في العملية السياسية في العراق، وعلى الرغم من كل المؤامرات والمآرب لم يتم النيل من إرادته وأصرّ على قراره الوطني… إن نيل ثقة مجلس النواب العراقي وانتخاب السياسي والمناضل في بدايات تأسيس الاتحاد، عبداللطيف رشيد رئيساً لجمهورية العراق الاتحادية، كان انتصاراً لإرادة الشعب والعملية السياسية والاتحاد الوطني”
طالباني الذي ظهر في مقطع مصور داخل مبنى البرلمان العراقي، إلى جانب الرئيس المنتخب، أكد العلاقة الحميمة التي تجمعه به (الرئيس المنتخب هو زوج خالته)، رافضاً كل المقولات التي تعتبر أن الرئيس المنتخب كان مرشح “الحزب الديموقراطي”، مضيفاً: “كان الأخ هوشيار زيباري مرشحهم، وقد كسرناه، ومن ثم ريبر أحمد مرشح الديموقراطي الكردستاني، وقد كسرناه أيضاً”.
“حدود مضبوطة”
الناشط والباحث مريوان برزنجي، شرح في حديث الى “النهار العربي” الأسباب التي قد تمنع الحزبين الكرديين من الانزلاق إلى مواجهات أكثر استقطاباً، فالخصومة السياسية بين الطرفين ستبقى ضمن حدود مضبوطة حسب رأيه.
ويقول برزنجي: “ليس فقط فشلُ الحزبين في التوصل الى توافق سياسي في ما بينهما هو ما فرض المرشح الفائز، بل أيضاً حاجة القوى السياسية الشيعية العراقية المتمثلة بالإطار التنسيقي إلى كلا الحزبين ضمن العملية السياسية وبناء السلطة الجديدة. وهي الأسباب نفسها التي ستمنع الحزبين من تجاوز هذه العتبة من الخصومة. فخروج التيار الصدري من العملية السياسية، يدفع القوى الشيعية المركزية للتمسك بكل جهة سياسية ذات ثقل نوعي، خصوصاً بالحزبين الكرديين. الأمر الآخر متمثل في مجموعة الالتزامات السياسية والخدماتية والاقتصادية التي يحملها الحزبان تجاه شارعهما، حيث لا يمكن لأي منهما أن لا يأخذ ذلك بالحسبان. وقد أثبتت التجارب طوال عقدين كاملين، أن الخصومة بينهما لا يمكن أن تصل إلى المواجهة أبداً، وأن التنابذ السياسي يبقى دوماً دون مستوى القطيعة”.
الكلمات الدالة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى