الاخبار العامةالثقافيةالفن

مؤسسة “مركز راشد” لأصحاب الهمم لـ”النهار العربي”: مبادرة إماراتيّة رائدة صارت قدوة في العالم العربي

عام 2017 أطلق نائب رئيس دولة الإمارات العربية رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد، مبادرة تقضي باستخدام مصطلح “أصحاب الهمم” بدلاً من ذوي الإعاقة أو الاحتياجات الخاصة، لتكون الإمارات العربية المتحدة أول دولة عربية تُطلق هذا اللقب الذي يحمل في طياته صفة محببة وخفيفة اللهجة بدلاً من “معوق” أو غيرها، لأن هؤلاء يحملون رسالة مهمة، وحين تطلق عليهم هذه الصفة يصبحون في خانة المسؤولية، وذلك سيدفعهم للتحدي والتقدّم والمثابرة ليثبتوا أنهم قادرون كغيرهم، وهذا ما حصل فعلاً.
تاريخ الإمارات العربية المتحدة مع أصحاب الهمم قديم، لكن عام 1994 كان مفصلياً لتلك الشريحة في الدولة، سواء أكانوا مواطنين أم مقيمين، ففي هذا التاريخ انطلق “مركز راشد” المتخصص في هذه الحالات والذي بات بفضل جهود سيدة إماراتية وبدعم من الحكومة من أهم المراكز في المنطقة العربية.
في حديث خاص مع “النهار العربي” تخبرنا مريم عثمان، المديرة العامة المؤسسة للمركز، عن رحلتها وتجربتها في مجال لم يكن إطلاقاً في بالها، وكما تقول “كان الأمر قدراً وليس خياراً”، فكيف قررت دخوله ونجحت فيه بأعلى درجات التقدير؟
“عندما كنت في الجامعة أدرس علم النفس والتربية الاجتماعية لم يخطر ببالي مطلقاً الدخول إلى عالم أصحاب الهمم، كانت هناك مراكز صغيرة ومتفرقة في كل إمارة، وجميعها كانت تعمل تحت مظلة الحكومة وبالتحديد الوزارة الاتحادية، وآنذاك أيضاً كانت هناك مراكز صغيرة للجنسيات الأخرى من المقيمين”، تقول مريم عثمان.
تضيف: “قبل مركز راشد كنت أطمح لأن أصبح معالجة نفسية وكانت النية افتتاح عيادة متخصصة، حتى أن صديقاتي كنّ يلجأن إلي لاستشارتي في حل مشاكلهن، في تلك الفترة كنت مخطوبة وتزوجت مباشرة بعد التخرج، وزوجي لم يكن مشجعاً حينها لفكرة العمل كامرأة، ثم بعدما شعر أن لدي رغبة وطاقة للعمل اقترح عليّ فكرة التخصص في مجال التعليم، وهي الوظيفة التي كان المجتمع آنذاك يفضلها للمرأة، لكن رغبتي كانت مختلفة وهي العمل على تأسيس مركز لأصحاب الهمم وبدأت الرحلة عام 1994”.
“إن لم تعشق عملك فلن تصل به إلى النجاح والإبداع” هذه هي نظرية عثمان التي اتبعتها في مسيرتها لتصل وترتفع بالمؤسسة إلى النجاح، وبات اسم “مركز راشد” مثالاً أعلى لأي مركز مشابه في العالم لا يبغى الربح بل العمل على استخراج القدرات والمواهب من شريحة مهمة في المجتمع كانت مهمّشة في مجتمعاتنا العربية.
داخل المركز الكبير غرف متنوعة تضم صالات للتعليم التقليدي، وأخرى لمحبي التمثيل والموسيقى والرقص، صفوف الرياضة والمكتبات العامة تحضر أيضاً وعلى طول الجدران المؤدية إلى الغرف صور لأبرز الشخصيات الفنية والرياضية والسياسية من كل الدول وليس العربية فقط.
عن ذلك تقول عثمان: “اختيارنا أسماء مهمة في كل المجالات جاء من باب قناعتنا بأن لهؤلاء جمهوراً كبيراً ومعهم ستصل رسالتنا إلى العالم، لا شك في أن حضورهم إلى المركز ساهم في دعم الحالات وكذلك أهلهم، وطبعاً إضفاء طابع إيجابي أقله إعطاء صورة غير تقليدية للمراكز المشابهة، فلماذا يجب أن تكون حزينة ومثيرة للشفقة، لمَ لا نجعلها أكثر حيوية وإيجابية؟”.

0 seconds of 30 seconds, Volume 0%
تتابع: “أجمل شعور هو عندما نرى أن الأهل الذين كانوا يخجلون في السنوات السابقة من أبنائهم أصحاب تلك الحالات، لأن المجتمع وقتها كان مختلفاً، باتوا يفاخرون ويفتخرون بهم وبإنجازاتهم، هذا الأمر تغيّر كلياً في الإمارات وفي بقية الدول العربية”.
التحدّي الذي واجهته عثمان بداية تأسيسها للمركز لم يكن سهلاً، فهي أول سيدة ومواطنة تدخل في مجال كان في الأصل من تخصص الحكومة، لكنها قررت وثابرت لتقيم مركزاً غير تقليدي ولا يشبه مؤسسات أخرى، كما أن بدايات التأسيس لم تكن سهلة، فقد احتاجت لجهة ممولة ترعى المشروع الإنساني في زمن كانت فكرة الممول والراعي الرسمي غير مألوفة أو ربما جديدة على الإمارات، لكن وسط جهود مضنية نجحت في تحقيق الهدف.
 اليوم لا تنسب هذا النجاح لنفسها فقط بل لكل فريق عمل معها، كذلك لدعم الحكومة الإماراتية التي تقف دائماً إلى جانب أي مواطن لديه رسالة أو مشروع ينفع المجتمع وأي إنسان مقيم على أرض الإمارات. فهي سيدة تؤمن بالعمل الجماعي لكي ينجح أي مشروع.
وتشرح عثمان سبب نجاح وتميز “مركز راشد” قائلة: “لم نكتف في مؤسستنا بعلاج  الحالات ومتابعتها كما حال المراكز الأخرى فحسب، بل وضعنا استراتيجية للدعم النفسي، وهنا تدخل تخصصي في هذا المجال، قمنا بإجراء مسابقات تنافسية في كل المجالات الرياضية والفنية وغيرها، لأول مرة يقيم مركز من هذا النوع داخل الإمارات والخليج عامة حفلات غنائية ويدعو نجوم الفن والرياضة من العالم العربي لزيارة المركز كنوع من الدعم النفسي، حتى أصبح عدد من المشاهير يطلبون بأنفسهم زيارتنا وتمضية بعض الوقت مع الأطفال والأكبر سناً، وذهبنا أكثر من ذلك نحو تكريم شخصيات من أصحاب الهمم برزوا في مجال ما لدعمهم وتحفيزهم وتحفيز زملائهم على العطاء أكثر، لأنهم يستحقون الحياة والنجاح ولا ينقصهم أي شيء عن الآخرين، لا بل لديهم عطاء وطموح أكثر من بعض الأشخاص”.
وبخصوص موضوع الدعم المالي الذي هو أيضاً حل مكان كلمة “تبرعات”، تقول عثمان إنه يأتي من الحكومة ومن شخصيات أخرى لأن المؤسسة غير ربحية. هناك رسوم يضعها المركز على الأهل وهي رمزية نوعاً ما، ولكن بعض الحالات تكون مستثناة من أي رسوم وفق الحالة الاجتماعية.
 وعن سبب فرض الرسوم تقول عثمان: “كي يشعر الأهل بمسؤولية تجاه ولدهم وابنتهم، لأنه أحياناً حين يشعر بعضهم أن المركز مجاني قد يتقاعسون عن إرسال أولادهم في بعض الأوقات، لذا حين يدفعون مبلغاً معيناً سيشعرون بالمسؤولية”.
وصل عدد الأطفال اليوم داخل المركز إلى 240 طفلاً، وهناك 15 طفلاً سيدخلون قريباً، والمركز يعمل ضمن دوامات محددة صباحية ومسائية، واللافت هو أن أطفالاً درسوا سابقاً داخل المركز أصبح بعضهم اليوم يعملون في المركز.
وتجدر الإشارة إلى أنه بفضل جهود الحكومة الإمارتية والوعي لدى النشطاء والمراكز المتخصصة أصبح لأصحاب الهمم الكثير من الامتيازات داخل الدولة، سواء في الوظائف الحكومية أم الخاصة، حتى في العروضات التي تقدمها المصارف والشركات إلى جانب تخصيص أماكن وممرات لهم في المولات الكبيرة والحدائق العامة وغيرها من المرافق السياحية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى