السّؤال المحوريّ الذي يُطرح بقوّة في هذا الظرف الدستوري الذي يعيشه لبنان، هو: أي رأي للبنانيّين في انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟ وهل هم غائبون، أم مُغيّبون عن هذا الحدث الكبير؟
في ظلّ الرهان الدائم على الدور الذي يُفترض أن يلعبه الإعلام الحرّ في تشكيل الرأي العام اللبناني في مجتمع ديموقراطي تجاه القضايا الأساسية التي يتخبّط بها الواقع اللبناني، خصوصاً في زمن الأزمات الدستورية والاجتهادات المعلبة والمسبقة الدّفع، تبدو الفجوة واسعة بين الاتجاهات التي يتّخذها بعض هذا الإعلام خدمة لأجندات خاصّة غالباً ما تكون في يد صنّاع القرار الذين قد يعتمدون على التضليل الإعلامي كاستراتيجية سياسية، بهدف إثارة ردود فعل معيّنة تخدم السلطة القابضة، على حساب مصالح الشّعب فتصبح الأفضلية بذلك “للرأي الخاص” على حساب “الرأي العام”.
لقد فرض الفهم المشوّش والمقصود للديموقراطية والممارسة المغلوطة لبعض وجوهها في المجتمع اللبناني انقسامات انطبعت بها الحياة المجتمعيّة السياسية، وفق مصلحة كل جماعة وتوجّهها الظرفي المحكوم بتطوّرات الحوادث وتبدّلات الولاءات وتشكّل التحالفات بنمطيها الظاهر المعلن والمكتوم المضمن، فانعكست انقسامات حزبية وطائفية اجتهد الإعلام بتقنياته التضليلية للإمساك بمفاصل الرأي العام لتغييبه عن القيام بدوره بحريّة مطلقة واستشاراته في المواضيع المحورية الوطنية الدقيقة واستبدال الآراء الخاصّة به، ما يطرح تساؤلات محوريّة حول فعاليّة الموقف النقدي في مجتمع التعددية الفكرية البنّاءة، ودور الإعلام في تظهير صوت الناس وضميرهم الخام.
إنّ لجوء الإعلام اللبناني أحياناً إلى تضليل الرأي العام في قضايا وطنية لإثارة ردود فعل معيّنة، خدمة للقوى السياسيّة الممسكة بمفاتيح القرار، يُغيّب قوة الرأي العام الذي يُفترض أن يكون فوق كلّ الاعتبارات ويقوّي (الآراء الخاصة) الممسكة (بالآراء العامة)، والمشغّلة لها وفق روزنامة متحرّكة تستجيب لمصالحها وتتوافق مع توجهاتها الزئبقية، خصوصاً في القضايا السياسية والاقتصادية، حيث يُستعمل الإعلام كسلاح خصوصاً الإعلام الإلكتروني، بما وفّرته التّكنولوجيا الحديثة من تسهيلات في خدمة نشر المعلومات من حيث السّرعة والسّعة، إذ إنّ أبرز استراتيجيّات التّضليل الإعلامي تكمن في التأثير في فكر المتلقّي لإنتاج حالة تشويش فكريّ لتغيير موافقه والتلاعب بالقناعات، وبالتّالي تشكيل رأي عام يخدم أهداف صانعي التّضليل.
لذلك لن يستقيم الوضع السّياسي والاجتماعي في لبنان من غير إعادة بناء قواعد ركيزيّة للرأي، ومن ثمّ استثماره لتنمية مفهوم الرأي الجماعي أو رأي الأغلبيّة الذي يُمكّن القيادي المسؤول ويعزّز دور الإعلام من خلال الارتكاز على أسس ثابتة لإنشاء علاقة ثقة بين المسؤولين والقاعدة الشّعبية الواسعة بدورها التشاوري، بهدف تحقيق نهضة إعلاميّة ديموقراطيّة تخدم رسالة الإعلام الحرّ وتعيد الاعتبار لبناء إعلام ديموقراطيّ، يمتاز بمنسوب عالٍ من ثنائيّة حريّة التّفكير وحريّة التّعبير، وبذلك يتمّ تحصين الإعلام ومنع التّضليل وإعطاء فرص للتّمايز بين الرأي الخاص والرأي العام في مجتمع تعددي مطبوع بالحرية.
د. ليليان قربان عقل
دكتوراه في علوم الإعلام والاتّصال
دكتوراه في علوم الإعلام والاتّصال